تُعد التربة بمثابة بالوعة كربونية، يمكنها امتصاص كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون واحتجازه، ما يُسهم في تخفيف حدة آثار التغيرات المناخية التي تفاقمت اليوم. لكن ما زال العالم غير قادر على تحقيق الاستفادة المثلى من التربة، لامتصاص أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون؛ فهذا يتطلب فهما عميقا للتفاعلات الحاصلة في التربة.
وفي محاولة لتحقيق الاستفادة المثلى للتربة، سعت مجموعة بحثية من جامعة زيورخ لتحقيق هذا الهدف، وبحثوا في تأثيرات التنوع النباتي في قدرة التربة لاحتجاز الكربون. وتوصلوا إلى نتائج مهمة تم نشرها في دورية "نيتشر كوميونيكاشنز" (Nature Communications) في سبتمبر/أيلول 2024.
تدهور غير مقصود
تتسبّب الممارسات الزراعية غير المدروسة في تدهور التربة، ويأتي هذا في ظل الزيادة السكانية التي تدفع المزارعين إلى ممارسات الزراعة المكثفة لسد احتياجات السكان الغذائية، لكن هذا يقود في النهاية إلى تدهور التربة، وإطلاق كميات كبيرة من الكربون، ما يُسهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. لذلك، يُعد قطاع الزراعة من أبرز القطاعات التي يسعى الباحثون لتقليل انبعاثاتها الدفيئة؛ للإسهام في إجراءات التخفيف من تغير المناخ.
التنوع النباتي
ولمن لا يعلم؛ فالتربة تتكوّن من عالم هائل لا يُدركه كثير من البشر، عالم يضم أنواعًا مختلفة من الميكروبات والعناصر الغذائية والكائنات الحية، لا يرى الإنسان منها غير النباتات وسطحها الأسود. ولتحقيق أقصى استفادة من التربة وتعظيم قدراتها على الإنتاجية وتخزين الكربون، كان لا بد من دراسة التفاعلات المختلفة بين النباتات والميكروبات في التربة وفوائد التنوع النباتي.
لذلك، أجروا تجربة لاستكشاف الفروق بين زراعة نوع من النباتات بمفرده في التربة أو عدة أنواع مع بعضها. لذا، زرع الباحثون نبات الشعير مرة بمفرده، ومرة أخرى مع 8 أنواع مختلفة من النباتات، من ضمنها أنواع النباتات المثبتة للنيتروجين، التي تسهم في تعزيز صحة التربة.
خلص الباحثون إلى أنّ التنوع النباتي أسهم في تعزيز قدرة التربة على احتجاز كميات أكبر من الكربون؛ ولعبت المجتمعات الميكروبية دورًا في تلك العملية. وكلما زاد التنوع النباتي، ازدادت كفاءة التفاعلات الإيجابية بين الميكروبات في الجذور. من جانب آخر، وجد الباحثون أيضًا أنّ التنوع النباتي أسهم في زيادة إنتاج الكتلة الحيوية النباتية، ما أدى إلى تحسين كفاءة احتباس الكربون في التربة.
يرى مؤلفو الدراسة أنّ التنوع النباتي من شأنه أن يعزّز صحة التربة واستدامتها، بالإضافة إلى احتجاز المزيد من الكربون. لكن هناك حاجة ماسة إلى وضع سياسات واستراتيجيات لتوعية المزارعين ودعمهم؛ لتحقيق أقصى استفادة من التربة.